ليلة الإسراء والمعراج بالتفصيل

ليلة الإسراء والمعراج بالتفصيل

الإسراء والمعراج وهي حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أن أعلن النبي محمد أن الله قد أرسل إليه جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته متمة وخاتمة للرسالات السماوية السابقة.

انتقال النبي -عليه الصلاة والسلام- مع جبريل -عليه السلام- ليلاً من البيت الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس على دابة البُراق، وأما المعراج فهو صعودهما من بيت المقدس إلى السماوات العلى، وقد ثبت وقوع هذه الحادثة في القرآن، والسنة، وشهادة الصحابة الكرام بذلك، وهي من إكرام الله -تعالى- لنبيه.

قال الله تعالى في سورة الإسراء [سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ].

بعد أن فقد النبي السيدة خديجة بنت خويلد وعمه أبى طالب اللذين كانا يؤانسانه ويؤازرانه، ضاقت الأرض به نظراً لما لاقاه من تكذيب ورد من قبل المشركين، وبعد وفاة عمه توفيت زوجته خديجة في نفس السنة، فسمي هذا العام بعام الحزن، وفي سبيل الدعوة ذهب الرسول إلى الطائف وحيداً يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد لكنهم طردوه وسلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة فآذوه كثيراً وهنا دعا النبي محمد دعاءه المشهور شاكياً إلى ربه: " اللهم إلى من تكلني... " فيرسل الله إليه جبريل عليه السلام مع ملك الجبال ويقول له جبريل لو شئت نطبق عليهم الجبال فيقول الرسول الرحيم "لا - لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله" فكرمه الله تعالى بقدرة إلهية بحادثة الإسراء والمعراج، فأي تكريم ومؤانسة أشد وأعظم من تكريم كهذا إذ أتى جبريل عليه السلام ليصحب الرسول عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج.

فبينما كان النبي محمد نائم في الحجر أتاه جبريل عليه السلام، فهمزه بقدمه، فجلس النبي محمد فلم ير شيئا، ثم عاد إلى مضجعه، فأتاه مرة ثانية فهمزه بقدمه، فجلس ولم ير شيئا، ثم عاد مرة أخرى إلى مضجعه، فأتاه مرة ثالثة فهمزه بقدمه، فجلس النبي، وأخذ جبريل بعضده، وحينها قام النبي معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، جاء جبريل -عليه السلام- للنبي بدابة البُراق، وهي دابة أصغر من الفرس وأكبر من الحِمار، تضع حافرها عند منتهى طرفها؛ أي تضع خطواتها فتصل إلى مد بصرها، فلما ركبها النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت، حتى قال له جبريل -عليه السلام- أن يثبت، فلم يركبها أحد خير منه، فثبت النبي، وتصبب عرق، ثم انطلقت بهما إلى بيت المقدس. ثم عرج بالنبي وجبريل إلى السماء الدنيا، فرأى -عليه الصلاة والسلام- آدم -عليه السلام-، ورحب به، ورد عليه السلام، وأراه أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره، ثم صعد إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى -عليهما السلام-، فسلم عليهما، ثم صعد إلى السماء الثالثة ورأى فيها يوسف -عليه السلام-، ثم رأى إدريس -عليه السلام- في السماء الرابعة، وهارون -عليه السلام- في السماء الخامسة، وموسى -عليه السلام- في السماء السادسة، وفي السماء السابعة رأى إبراهيم -عليه السلام-، وجميعهم يسلمون عليه، ويقرون بنبوته، ثم صعد إلى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، ثم صعد فوق السماء السابعة، وكلم الله -تعالى-، ففرض عليه خمسين صلاة، وبقي النبي يراجِعه حتى جعلها خمس، وعرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له أنه أصاب الفطرة، ورأى أنهار الجنة، اثنان ظاهران، واثنان باطنان، ورأى خازن النار -مالك-، ورأى أكلة الربا، وأكلة أموال اليتامى ظلماً، وغير ذلك الكثير من المشاهد.

في صباح اليوم التالي اجتمع الرسول الكريم في قبيلة قريش وأخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر الناس: والله هذا الأمر لبين، وإن الرسول لصادق  آمين، وإن العير لتطرد شهرآ من مكة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، وقال بعضهم: إن هذا القول لا يصدق أفيذهب محمد ويرجع إلى مكة في ليلة واحدة؟! فارتد كثير ممن كان قد أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له: يا أبي بكر إن صاحبك محمد يزعم أنه قد جاء من بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة، فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون على رسول الله، فقالوا: بلى، ها هو الرسول في المسجد يحدث الناس بما حدث معه، فقال أبو بكر: والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه.

أقبل أبو بكر إلى النبي محمد، فقال: يا رسول الله، أحدثت القوم أنك كنت في بيت المقدس هذه الليلة؟ قال الرسول: نعم، قال: يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد، وأخذ الرسول يصف ويحدث أبي بكر عن بيت المقدس، فقال له أبي بكر: أشهد أنك رسول الله، وكان يكررها كلما وصف له شيئاً رآه.

دروس مستفادة من رحلة الإسراء والمعراج:

كان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها ما يأتي:

  • تعويض الله -تعالى- للنبي -عليه الصلاة والسلام- لصد الناس عنه، وخاصةً أن الحادثة كانت بعد أذى أهل الطائف له، ومنعه من دخول المسجد الحرام إلا بجوار مطعم بن عدي، فعوضه الله -تعالى- بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به. 
  • تعزية ومواساة من الله -تعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب، فأكرمه برؤية آيات من ربه وأمور أخرى. فتنة الناس وامتحانهم؛ من خلال بيان المصدق والمكذب له، حيث إن الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلة مقدارها شهرين ذهاباً وإياباً، وسمي من حينها أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بالصديق؛ لتصديقه للنبي -عليه الصلاة والسلام- في معجزة الإسراء والمعراج. 
  • بيان صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وصفه للناس ما يعجز البشر عن وصفه. 
  • بيان أهمية الصلاة ومكانتها، حيث إنها فرضت في السماء. 
  • الدلالة على أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والربط بينهما، وقيامهما على التوحيد والإخلاص.
Share blog: 
التصنيفات: 
تعليم